تعلمت من الحياة

تعلمت من الحياة:
لن ينكسر قارب الحياة على صخرة اليأس مادام هناك مجداف اسمه الأمل.

Wednesday 4 March 2009

جداتنا - للشاعر تميم البرغوثي

جداتنا
للشاعر تميم البرغوثي

بجداتنا سرٌ عجيبٌ كأنه حجاب إلهي و حِرزٌ مُحرّزُ
يحيرني اطمئنانهن كأنما لديهن حل اللغز و الدهر يُلغزُ
ترى امرأةً في كفها و جبينهما من الشعر و التاريخ نصٌ مُرمزُ
تتالى عليها الحاكمون كأنهم هم الخرز المنظوم والعمر مِخرَزُ
و يشرح ميزان القوى كل حاكم لها منذ آلاف السنين فيعجز
تهد اعتبارات السياسة كلها إذا ذهبت تحت القنابل تخبزُ
و قد وضعت حكامها في مناخلٍ و قامت تنقي ما تشاء و تفرزُ
و في قولها عند الخصام فصاحةٌ أدق من العقد الفريد و أوجزُ
لها دولةٌ في باحة البيت, شعبها دخانٌ و جيرانٌ و بُنٌّ مُركّزُ
تجمّع أشتات الضيوف لأنها ترى الناس كنزاً من كرامٍ فتكنزُ
و تبصرها في زحمة الجسر وحدها على اللّطف من رب السما تتعكزُ
و جندية من روسيا و رفاقها إذا ما رأوها أوجسوا و تحرّزوا
يظنون تحت الثوب منها عساكراً بأفتك أنواع السلاح ستبرزُ
فسلّم على جيش الدفاع فإنه يُهدده شالٌ و ثوبٌ مُطرّزُ

بشالٍ و ثوبٍ تمر على الجسرِ
مبروكة الصدر و الخصرِ
لا بدّ يؤلمها حين تُحشر في الشِعرِ
مقعدها في القصيدة مثل مقاعد حافلة الجسر غير مريحْ
فمعنى الأمومة والأرض و الوطنية أصغر منها
و إغداق شاعرها بالرموز عليها و ذكر الأساطير أمر قبيحْ
أنا لن أشبه وجهك بالنحت في الصخرِ
أو جود كفيّك بالحقل و النهرِ
أو بنساءِ آشور و بابل أو ظبية البرِّ
لا في الطبيعةِ أنت و لا في الخيالِ
تعاريج كفّك مخطوطةٌ كُتبت كالوصيّةِ
فهي وثيقة ملكيّة للبلاد و تاريخ أنسابنا العربيّةِ
أنت براءة هذه الجبال الخصيبة من تهمة الحجريّةِ
يا جدّة التين و البرتقال
كأنك أنت اخترعت الجبال
أقول اخترعت الجبال اختراعا و لم تتشكل بمر العصور
و لكن دعوت فجاءت تباعا كأن الجبال كلام يدور
كلام نطقت به أولاً
ثم صار صداه جبالاً
صدىً من صدى، تتكرر أقواسها في المدى
ليس تعيى البلاد بإنشادها
و كأن الجبال اليك و منك أحاديثُ تُروى بإسنادها

و يا جدّة التينِ و الزعترين المجففِ و الأخضرِ الجبليّ
و يا جدّة الحربِ والهجرتين، سلامٌ على طِبِّك المنزليّ
إذا أنت دلّكت بالزيت صدر الزمان، كما تفعلين مع الطفل حين يُحمّ
سلامٌ عليك، تُغنين صوت العتابا، فتستأنسين الألم
و تصحُّ الليالي بإنشادها
و دوماً تُصرّين أنك لا تُكملين القصص
فإن النهاية عندك معدومةٌ و العدم
وأنت نقلت الحديقة حين ارتحلت إلى شُرفةٍ في المخيمِ
شتلة صبرٍ و ريحانةً
فالعشيرةُ لاجئةٌ في الخِيم
والحديقةُ لاجئةٌ في الأُصص
ثم بالملجئين بنيت بيوتاً يُؤهل فيها بقصّادها
و فيك ركانةُ قاضيةٍ، و فصاحةُ دارسةٍ للحقوق
و في اللهجة القُروية، أعشق تصغيرك الوقت، حين تُسمينه بالوُقيت
كأنّ الزمان صغيرٌ تُربّينهُ
و إذا ما تهدده عارضٌ ما، ستحمينهُ
و هو غولٌ، و لكن طبعك لا يرتضي أن في الأرض شيئاً يُسمّى العقوق
و يا جدتي أنتِ طيبةٌ، غير أنك لستِ ملاكاً
و فيك من الخُبث شيءٌ مليح
كذبت على الحاكم العسكريّ
و زوّرت في سن طفلك كي يدخلوه صغيراً إلى صفّه المدرسيّ
و تُعطين بعض القريبات من عنب الدار ما يشتهين
ويعلمن أنك لست تحبينهن كما تعلمين
وقد يبتسمن فتبتسمين
و عندك خُبثُ الطيور تحاول أن تتفادى الجبال
و لكنّ خُبثك خبثٌ بريءٌ على أيّ حال
جمعت الصفات بأضدادها
تمرّ على الجسر
تحمل ما لا يُطاق من الأمر
هَمّ البلاد؟ نعم
و كذلك زيتاً لأحفادها
و صُنوفاً من الجُبنِ و المَريَمِيَّةِ
أو قُل صُنوفاً من الحِكمةِ الأبديّةِ
مخبوزةً في الطوابينِ
مفروشةً كالبساتينِ
مقطوفةً من على شجر التينِ
أو كُتب الشعرِ و النثرِ و الدِّينِ
رأساً إلى قاع زُوّادِها
و ما كنت أدري لماذا تُصمم دوماً على حمل كل صنوف الثمار التي خلق الله في زحمة الجسر
حتّى رأيتُ مجنّدةً عندها تسعتان من العمرِ
وهي تفتّشها
وتُفتّح كل حقائبها
ثم تفرُشُها
لأرى بلداً كاملاً فوق مِنضدة الفحص يُنشر مثل العلم
فقل للعساكر في الجسر يا أمةً من غبار الأمم
و يا من تهينون أهل الكرامة للعنصرية أو للسأم
إلى أن تكون لكم جدّةٌ مِثلَنا
إلى أن يدور الزمان و أن تحمِلوا حِملنا
إلى أن تروا أن قتل سِوانا لكم لا يُحِلّ لكم قتلنا
إلى أن يكون لكم مثلُ هذا
تنحّوا
و خلّوا الطريق لجداتنا أن تَمُرَّ
لتجعلكم قصّةً
مثل كل من احتلّنا
هكذا ببراءة حجيّةٍ
لا بقصدٍ و لا نيّةٍ
و بعفويّةٍ
و هي تصنع شاياً لنا

No comments: