( هذه الحلقة برعاية ويسبر )
وقف جان في المحطة مزهوّا ببدلته العسكرية الأنيقة، و راح يراقب وجوه الناس و هم ينحدرون من القطار واحدا بعد الآخر، كان في الحقيقة يبحث عن وامرأة عرفها و أحبها بقلبه دون أن يراها، ولكنه سيميزها من بين مئات المسافرين لأنهما اتفقا على أنها ستعلّق على صدرها وردة حمراء.
إنه يعرفها منذ حوالي ثلاثة عشر شهراً، كان جان محباً للقراءة، و ذات يومٍ اختار كتاباً من المكتبة العامة و راح يقلب صفحاته، لم يشدّه محتوى الكتاب بقدر ما شدّته الملاحظات التي كُتبت بقلم الرصاص على هامش كل صفحة، أدرك من خلال قراءتها بأن كاتبها إنسانٌ مرهف الحِسّ دَمِث الأخلاق، و شعر بالغبطة عندما قرأ اسمها مكتوبا على الغلاف باعتبارهامن تبرع بالكتاب للمكتبة.
و من خلال بحث أجراه، استطاع العثور على عنوانها، كتب لها مُبدياً إعجابه بأفكارها المكتوبة على هوامش الكتاب، تبادلا الكثير من الرسائل و الأفكار، إزداد إعجاب كلٍ منهما بالآخر، و بدأت بينهما علاقة دافئة، توطدت عبر الرسائل الكثيرة التي تبادلاها.
خلال تلك الفترة، استُدعي جان للخدمة في الجيش، و سافر للإلتحاق بوحدته العسكرية المشاركة في الحرب العالمية الثانية، و دام تبادل الرسائل خلال فترة وجوده على الجبهة لأكثر من عام كامل قبل عودته إلى مدينته، و من خلال تلك الرسائل اكتشف أنها شابة في مقتبل العمر و توقع أن تكون في غاية الجمال.
اتّفقا على موعد لتزوره، و عندما أزف موعد اللقاء، ذهب في الوقت المحدد إلى محطة القطار لاستقبالها، شعر بأن الثواني تمر عليه بطيئةً كأنها أياماً، و أخيراً وصل القطار و بدأ القادمون بالترجل، و صار يتفحص الوجوه، ثم رآها ترتدي معطفاً أخضر، تسير باتجاهه بقامتها النحيلة، و شعرها الأشقر الجميل، وقال في نفسه: "إنها هي كما كنت أتخيلها، يا إلهي ما أجملها!"
شعر بقشعريرة باردة تسللت عبر مفاصله، لكنه استجمع قواه و اقترب بضع خطوات باتجاهها مبتسما و ملوّحاً بيده.
كاد يُغمى عليه عندما مرّت من جانبه و تجاوزته، و لاحظ خلفها سيدة في الأربعين من عمرها، امتد الشيب ليغطي معظم رأسها و قد وضعت وردة حمراء على صدرها، تماما كما وعدته حبيبته أن تفعل!
شعر بخيبة أمل كبيرة: "ياإلهي... لقد أخطأت الظن! توقعت بأن تكون الفتاة الشابة الجميلة التي تجاوزتني هي الحبيبة التي انتظرتها أكثر من عام، لأفاجأ بامرأةٍ بعمر أمي و قد كذبت عليّ!"
أخفى مشاعره و قرر في لحظةٍ أن يكون لطيفاً ـ لأنها و لمدة أكثر من عام ـ و بينما كانت رحى الحرب دائرة ـ بعثت الأمل في قلبه على أن يبقى حياً، و قال في نفسه: "إن لم يكن من أجل الحب، لتكن صداقة!"
حياها بأدب، و مدّ يده مصافحاً: "أهلاً، أنا الضابط جان و أتوقع بأنك السيدة مينال!"، و تابع مشيراً إلى المطعم الذي يقع على إحدى زوايا المحطة: "تفضلي لكي نتناول طعام الغداء معاً."
فردت: "يابني، أنا لست السيدة مينال، و لا أعرف شيئا عما بينكما... و لكن قبل أن يصل القطار إلى المحطة، اقتربت مني تلك الشابة الجميلة التي كانت ترتدي معطفاً أخضر و التي مرت بقربك منذ لحظات، و أعطتني وردة حمراء وقالت: 'سيقابلك شخص في المحطة، و سيظن بأنك أنا، إن كان لطيفاً معك و دعاك إلى الغداء، قولي له بأنني أنتظره في ذلك المطعم، و إن لم يدعوك أتركيه وشأنه، أظنها تحاول أن تختبر إنسانيتك و مدى لطفك."
عانقها شاكراً، و ركض باتجاه المطعم!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العبرة:
اللحظات الحرجة في حياتنا هي التي تكشف معدننا و طيبة أخلاقنا، الطريقة التي نتعامل بها مع الحدث، و ليس الحدث بحدّ ذاته، هي التي تحدد هويتنا الإنسانية و مدى إلتزامنا بالعرف الأخلاقي.
يقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه و سلم : "ليس الشديد بالصرعة، و لكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة: هذه سلسلة من الحكايات القصيرة التي فيها عبرة، الحكايات ليست من تأليفي و لكني جمعتها و ما زلت من مصادر مختلفة، السلسلة أسبوعية حيث تظهر قصة جديدة كل يوم خميس بشكل ذاتي.
القصص السابقة:
إنه يعرفها منذ حوالي ثلاثة عشر شهراً، كان جان محباً للقراءة، و ذات يومٍ اختار كتاباً من المكتبة العامة و راح يقلب صفحاته، لم يشدّه محتوى الكتاب بقدر ما شدّته الملاحظات التي كُتبت بقلم الرصاص على هامش كل صفحة، أدرك من خلال قراءتها بأن كاتبها إنسانٌ مرهف الحِسّ دَمِث الأخلاق، و شعر بالغبطة عندما قرأ اسمها مكتوبا على الغلاف باعتبارهامن تبرع بالكتاب للمكتبة.
و من خلال بحث أجراه، استطاع العثور على عنوانها، كتب لها مُبدياً إعجابه بأفكارها المكتوبة على هوامش الكتاب، تبادلا الكثير من الرسائل و الأفكار، إزداد إعجاب كلٍ منهما بالآخر، و بدأت بينهما علاقة دافئة، توطدت عبر الرسائل الكثيرة التي تبادلاها.
خلال تلك الفترة، استُدعي جان للخدمة في الجيش، و سافر للإلتحاق بوحدته العسكرية المشاركة في الحرب العالمية الثانية، و دام تبادل الرسائل خلال فترة وجوده على الجبهة لأكثر من عام كامل قبل عودته إلى مدينته، و من خلال تلك الرسائل اكتشف أنها شابة في مقتبل العمر و توقع أن تكون في غاية الجمال.
اتّفقا على موعد لتزوره، و عندما أزف موعد اللقاء، ذهب في الوقت المحدد إلى محطة القطار لاستقبالها، شعر بأن الثواني تمر عليه بطيئةً كأنها أياماً، و أخيراً وصل القطار و بدأ القادمون بالترجل، و صار يتفحص الوجوه، ثم رآها ترتدي معطفاً أخضر، تسير باتجاهه بقامتها النحيلة، و شعرها الأشقر الجميل، وقال في نفسه: "إنها هي كما كنت أتخيلها، يا إلهي ما أجملها!"
شعر بقشعريرة باردة تسللت عبر مفاصله، لكنه استجمع قواه و اقترب بضع خطوات باتجاهها مبتسما و ملوّحاً بيده.
كاد يُغمى عليه عندما مرّت من جانبه و تجاوزته، و لاحظ خلفها سيدة في الأربعين من عمرها، امتد الشيب ليغطي معظم رأسها و قد وضعت وردة حمراء على صدرها، تماما كما وعدته حبيبته أن تفعل!
شعر بخيبة أمل كبيرة: "ياإلهي... لقد أخطأت الظن! توقعت بأن تكون الفتاة الشابة الجميلة التي تجاوزتني هي الحبيبة التي انتظرتها أكثر من عام، لأفاجأ بامرأةٍ بعمر أمي و قد كذبت عليّ!"
أخفى مشاعره و قرر في لحظةٍ أن يكون لطيفاً ـ لأنها و لمدة أكثر من عام ـ و بينما كانت رحى الحرب دائرة ـ بعثت الأمل في قلبه على أن يبقى حياً، و قال في نفسه: "إن لم يكن من أجل الحب، لتكن صداقة!"
حياها بأدب، و مدّ يده مصافحاً: "أهلاً، أنا الضابط جان و أتوقع بأنك السيدة مينال!"، و تابع مشيراً إلى المطعم الذي يقع على إحدى زوايا المحطة: "تفضلي لكي نتناول طعام الغداء معاً."
فردت: "يابني، أنا لست السيدة مينال، و لا أعرف شيئا عما بينكما... و لكن قبل أن يصل القطار إلى المحطة، اقتربت مني تلك الشابة الجميلة التي كانت ترتدي معطفاً أخضر و التي مرت بقربك منذ لحظات، و أعطتني وردة حمراء وقالت: 'سيقابلك شخص في المحطة، و سيظن بأنك أنا، إن كان لطيفاً معك و دعاك إلى الغداء، قولي له بأنني أنتظره في ذلك المطعم، و إن لم يدعوك أتركيه وشأنه، أظنها تحاول أن تختبر إنسانيتك و مدى لطفك."
عانقها شاكراً، و ركض باتجاه المطعم!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العبرة:
اللحظات الحرجة في حياتنا هي التي تكشف معدننا و طيبة أخلاقنا، الطريقة التي نتعامل بها مع الحدث، و ليس الحدث بحدّ ذاته، هي التي تحدد هويتنا الإنسانية و مدى إلتزامنا بالعرف الأخلاقي.
يقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه و سلم : "ليس الشديد بالصرعة، و لكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة: هذه سلسلة من الحكايات القصيرة التي فيها عبرة، الحكايات ليست من تأليفي و لكني جمعتها و ما زلت من مصادر مختلفة، السلسلة أسبوعية حيث تظهر قصة جديدة كل يوم خميس بشكل ذاتي.
القصص السابقة:
- نعـل الملك
- الإعلان و الأعمى
- حكاية النسر
- حذاء غاندي
- فـي بيتهـم بـاب
- الصبي و النادلة
- ذكاء فتاة
- الوزراء الثلاثة
- ساعة الياباني
- أمسك بيدي
- الحمار الذي يجب بيعه
- رسوم أطفال
- الأب المشغول دائماً
- تحية الصباح
- عقد الألماس
- القناعة كنز لا يفنى
- الحظ و المنطق
- سر السعادة
- ضاع العمر بغلطة
- مصيدة الطموح
- الملك و الصياد
- المحتال
- النملة
- قصة انتحار غريبة
- البائع و المحاسب و المدير
- الأرنب و النسر
- الملك إدريس السنوسي
- مشكلة السيارة
- الرجل البليد
WoooooooooooooooooWWWW
ReplyDeleteBest story in the blog so far :)
ReplyDeleteيالله
ReplyDeleteجمييييييييييييييييييييلة
اعجبني تعليقك كثيرا
من اجمل ما قرات هنا من بداية مروري
تقبل تحياتي
شكرا لجميل نقلك
مساؤك بديع اصيل كشخصك
كتير بحبها لهالقصّه العبره كتييير مفيده و بتغير مجرى الحياة لو اخذنا فيها
ReplyDeleteشكرا صديقي صالح :)
لن أعلق
ReplyDelete!
برعاية نانا ويسبر لازم
انت موهوب فعلاً
ReplyDeleteيا ريت تنضم لجروب المدونين على الفيس بوك
http://www.facebook.com/home.php?sk=group_150308615029590
nice story.. unfortunately, nowadays, love remains within a story..
ReplyDeletezman 3annak :)
عظمة على عظمة!
ReplyDeleteرائعه ، بس زي ما حكى هيثم بس لو انها مش برعاية ويسبر!
:)
له له له
ReplyDeleteيعني كره هيثم مبرر و هو الطبيعي والعادي ....بس ما كنش العشم يا دكتور :(
وانا اللي اكتشفتك و اعلنت انطلاقتك للجمهور التدويني....واذا كنت ناسي فانا عندي بوست يثبت ذلك ;)
دكتورنا:
ReplyDeleteأشكرك بعنف
جميلة هذه القصة للغاية
ReplyDeleteوالتعقب رائع فعلا
This comment has been removed by the author.
ReplyDeleteمهو صرلي فترة بحاول اخترق موقعك عشان احذف البوست و بعدين اعلن التمرد و العصيان البلوجي ! مش انت البيج بوس تبع كل المدونات و إحنا اعضاء الشعب البلوجي ؟ و إحنا بعصر المظاهرات؟ فحابين نعمل اعتصام و تظاهرة نطالب بالحصول على حصة او ركن خاص لكل مدون على موقعك !
ReplyDeleteصدقته على هيك منطق .. هاد اسمو الحب المستحيل مش الحب عن بعد ,, ما حد بفهم إلا بالشكل هاي الأيام صدقني أنا
ReplyDeleteوللأسف مش هوه الكتاب
3ayoo6
بس شكرا
الصراحة أنا قرات القصة قبل هيك وكتير اعجبتني ، بس اكترشي عجبني وكاني بقراوا لاول مرة مع انو بمر علينا بمواقف حياتنا دايما هي العبارة
ReplyDeleteــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العبرة:
اللحظات الحرجة في حياتنا هي التي تكشف معدننا و طيبة أخلاقنا، الطريقة التي نتعامل بها مع الحدث، و ليس الحدث بحدّ ذاته، هي التي تحدد هويتنا الإنسانية و مدى إلتزامنا بالعرف الأخلاقي.
يقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه و سلم : "ليس الشديد بالصرعة، و لكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب
شكرا الك لانها اجت بوقتها بالنسبة الي
حنين
الصراحة أنا قرات القصة قبل هيك وكتير اعجبتني ، بس اكترشي عجبني وكاني بقراوا لاول مرة مع انو بمر علينا بمواقف حياتنا دايما هي العبارة
ReplyDeleteــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العبرة:
اللحظات الحرجة في حياتنا هي التي تكشف معدننا و طيبة أخلاقنا، الطريقة التي نتعامل بها مع الحدث، و ليس الحدث بحدّ ذاته، هي التي تحدد هويتنا الإنسانية و مدى إلتزامنا بالعرف الأخلاقي.
يقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه و سلم : "ليس الشديد بالصرعة، و لكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب
شكرا الك لانها اجت بوقتها بالنسبة الي
حنين